بسم الله الرحمن الرحيم والحمد لله رب العالمين وصلاة وسلام على سيدنا محمد وعلى آله الطيبين الطاهرين.
كيف تسبب الأمراض الروحية العضوية والنفسية؟:
يُنكرُ كثيرون خاصَّةً من الأطباء القولَ بأنَّ الأمراض الروحية تتسبب بأمراض عضوية ونفسية، لأنَّ هذا مناقضٌ لما درَسُوه وتعلَّمُوه، ولأُشَبِّهَ لهم الكيفية أضربُ لهم المثال التالي، إذا زرت مع طفلك الصغير شخصاً كُسِرت قدمه وسألته عن سبب الكسر فأجابك أن السبب أنه لم ينتبه إلى حفرة، فإنَّ طفلك الصغير قليل العلم والفهم والخبرة قد يتوجه إليك بسؤال أننا جميعاً لا ننتبه إلى حفر كثيرة ونمر بجانبها ولا تنكسر أقدامنا، لكنك الإنسان البالغ العاقل الخبير تستطيع أن تُفهِم الطفل أن هذا الشخص لم يقصد أن رجله تكسرت بمجرد عدم الانتباه إلى الحفرة، بل لأنه سقط فيها. وإذا كنت مع نفس الطفل ورأيت أحد أصدقائك قد تحطمت أنوار سيارته وسألته عن السبب فأجابك لأن فلاناً من الناس قد قطع الإشارة الحمراء؛ فإن طفلك قد يسألك أن فلانا هذا دائما يقطع الإشارة الحمراء في جميع الأحياء التي يسوق فيها فما دخل ذلك بتحطم الأنوار، فتجيبه أن السبب ليس مجرد قطعه للإشارة، وإنما هناك سبب محذوف لم يُخْبَرُوا به وهو إما أنَّ فلاناً بعْدَ قطعه للإشارة صدم سيارة صديقك، أو أن سيارة صديقك انحرفت لتجنب الاصطدام فاصطدمت بمكان آخر. وهكذا عندما نقول أنَّ العين والحسد وبقية الأمراض الروحية تسبب أمراضا عضوية كالسَّرَطان وغيره فإننا نُواجَهُ بالإنكار ممن لم يتبحَّر في هذا المجال ولم يتعلمه، ومثلما أجاب بطل مثالنا طفله فنجيب بقولنا أن الأمراض الروحية تسبِّبُ الأسبابَ التي تؤدي إلى الأمراض العضوية، وهذه الأسباب قد تكون خافية عليكم لأنكم لم تبحثوا فيها ولم تشاهدوها بأجهزتكم.
طبعاً ما سبق لا يحمل جواباً علمياًّ على كيفية التأثير، وإنما هو مثال لتشبيه ما يحصل، والمقصد أنَّ هناك أشياء تُحدِثها الأمراض الروحية لم نصل نحن إلى المرحلة التي يمكننا فيها رؤية ذلك أو معرفتها، بل نرى الأعراض الناتجة عن ذلك، والسبب أنَّه لم يقم أي أحد بأبحاث للوصول إلى معرفة ذلك. وتنتشر بين الرقاة فرضِيَّات واحتمالاتٌ لا يمكن الجزم بأي منها من دون أن يحصُل بحث علمي حول ذلك.
لكن من الصريح والواضح أن الجن يؤدي إلى أمراض عضوية، لقول الرسول صلى الله عليه وسلم عن الطاعون أنَّه وخز الجن، فعَنْ أَبِي مُوسَى رضي الله عنه، أَنَّهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: (فَنَاءُ أُمَّتِي بِالطَّعْنِ وَالطَّاعُونِ) فَقَالَ بَعْضُهُمْ: قَدْ عَرَفْنَا الطَّعْنَ، فَمَا الطَّاعُونُ؟ قَالَ صلى الله عليه وسلم: (وَخْزُ أَعْدَائِكُمْ مِنَ الْجِنِّ، وَفِي كُلٍّ شَهَادَةٌ)[26].
والطاعون (Plague) معروف عند الأطباء بأنَّه مرض بكتيري معدٍ، يرون له مسببات أخرى مثل قرصة الذباب أو مع التنفس، بينما الرسول صلى الله عليه وسلم يقول عنه وخز من الجن، وإذا قرأ بعض العقلانيين هذا الحديث فإنهم سينكرونه ويردوه لعدم استطاعة عقولهم الجمع بين الحديث والواقع، لكن لو وسَّع هؤلاء عقولهم لوجدوا أن الجمع ممكن بين الحديث وبين ما عرفه الأطباء، وهو أنَّ هؤلاء الجن هم من يتولى إدخال البكتيريا إلى الإنسان عن طريق وخز الجسم، وقد يستعمل الجن الذباب أداة للقرص وإدخال البكتيريا، وقد نصل لاحتمالات أخرى كثيرة لكيفية وخز الجن للإنسان لا تعارض بينها وبين ما وجده الأطباء. فالأطباء عرفوا سبَباً، لكن لم يعرفوا السَّبَبَ الأوَّل. وهكذا يمكن القول لكثير من الأمراض، قد يكون الجن أو الأمراض الروحية سبباً رئيسا فيها، لكن الأطباء لم يكتشفوها وإنما اكتشفوا الأسباب التي تليها.